جنبــلاط يختــار عــون شريكــه المسيحــي
د.نسيب حطيط
أطلق النائب وليد جنبلاط ،مفاجأة سياسية في اطار خياراته الجديدة،وتموضعه الإستراتيجي وفتح أبواب الجبل والمختارة للعماد ميشال عون،قبل وصول جعجع حليفه المؤقت في ما يسمى ثورة الأرز التي جمعتهما منذ العام 2005 وحتى الإنتخابات النيابية 2009،وثبت أن تحالف جعجع – جنبلاط فرضته الضرورة،وصفة المؤقت غير الدائم،لأنه لا يحمل مقومات البقاء نظرا للتاريخ الدموي والمرير بين الفريقين،والذي اثرت تداعياته الخطيرة على المستوى الديموغرافي للمسيحين،وتهجيرهم نتيجة المسار الخاطئ لجعجع والقوات اللبنانية، في حرب الجبل ،حيث أن الجمهور الدرزي العام،لم يتقبل جعجع كشريك سياسي دائم،بل هو حليف الحليف،مع بعض اللفتات المؤقتة بين جنبلاط وجعجع برعاية البطريرك صفير لجعجع وقواته وخياراته السياسية .
قد يقول البعض أن حركة جنبلاط السياسية تحمل صفة الحركة المرحلية التي فرضتها الظروف المحلية والإقليمية،وبأنها سرعان ما تنقلب عكسيا،وفق المنهج الجنبلاطي المتحرك دائما تحت شعار مصلحة الطائفة والزعامة،وصحيح أن التحالفات السياسية لا تحمل صفة الدائم بل المتغير وفق المواقف والمصالح، إلا أن الأكيد أن جنبلاط لا يعبث في خياراته ومصالحاته،بل هو يؤسس لشبكة أمان سياسية على الصعيدين المحلي والإقليمي ترتكز عل التحالف مع التيارات التي تشكل الغالبية المسيطرة في طوائفها( حركة أمل وحزب الله عند الشيعة)و(المستقبل عند السنة)وعون عند الموارنة، والطاشناق عند الأرمن،مع عدم وجود تيار أرثوذكسي وكاثوليكي فاعل ،خاصة وأن الهيكلية السياسية للنظام اللبناني تقول بطائفية النظام،سياسيا وإداريا بعدما تم تأكيد عدم إلغاء الطائفية السياسية خلال القرن القادم،بعدما رفضت أكثرية القوى السياسية تشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية،ولا بد للإعتراف لجنبلاط بميزة شخصية بأنه اختار حفظ الطائفة على حساب حفظ الزعامة وعدم التضحية بالطائفة لأنها تحمي الزعامة وليس العكس.
وفي ظل الإستقرار الداخلي والمفترض إستمراره خلال المرحلة المقبلة، فإنه لا بد من شريك مسيحي قوي في الجبل، بدل القوى المسيحية المتشتتة،خاصة غير المقبولة عند الجمهور العام مثل القوات والكتائب،ويمكن أن يخسر جنبلاط بعض النقاط الميدانية،المتفرقة في الجبل،لكنه يربح بالمقابل العناوين العامة على صعيد النظام السياسي والحكومي،بل ويستطع إعادة التوازن والقوة إلى زعامته الدرزية ،بتعويضه عن الخسارة الجزئية عبر ثغرات الإرسلانية وتيار التوحيد والأحزاب السياسية،ولأنه يريد تجاوز عدم خبرة نجله تيمور في اللعبة السياسية ،فلا بد من حماية مسيرته السياسية،بشبكة أمان من الوزن الثقيل على مناطق التماس في عالية والضاحية، ويتكفل جنبلاط بالثغرات الداخلية على صعيد الطائفة.
إن تحالفات جنبلاط للخطة الخمسية المقبلة،ستؤثر على المشهد السياسي الداخلي إذ ستؤدي إلى قيام حلف خماسي جديد ( أمل-حزب الله – المستقبل – التقدمي – التيار العوني)يشكل العمود العنصري للظام السياسي الطائفي،وسيؤدي بالتالي إلى عزل أو إضعاف القوى المسيحية التي عادت مع إغتيال الرئيس الحريري كالقوات اللبنانية، والكتائب التي دخلت مرحلة الشيخوخة مع الوطنيين الأحرار وتقاوم موتها السريري، وهذا ما سيؤثر حكما على البطريركية المارونية بزعامة البطريرك صفير،الذي حدد مساره السياسي الغير منسجم مع المحيط العربي الشرقي،ويعتبر أن ضمانة الوجود المسيحي هو الحماية الغربية وحلفائها الإقليميين،مع عدم إكتراثه او استنكاره لما جرى للمسيحيين في فلسطين بعد الإحتلال الإسرائيلي ،وكذلك الوجود المسيحي في العراق بعد الإحتلال الأميركي للعراق،والتجربة الحية والمأساوية للمسيحيين في لبنان بعد تحالفهم مع إسرائيل، وما ألت إليه احوالهم في الشريط المختل (عملاء لاجئين مضطهدين في إسرائيل)ومهجرين من شرق صيدا والجبل، وإنحسارهم إلى كسروان ومحيطها،ومع ذلك يبقى مراهنا على الأصدقاء والحلفاء الغربيين.
إن خيار المسيحيين بالتحالف مع القوى المشرقية بأقلياتها وأكثريتها،خيار إستراتيجي عاقل يعتمد على ضمانات التفاهم والحوار والإعتراف بالآخر على مستوى المنظومة الثقافية والدينية،والإنخراط في المشروع السياسي الإستقلالي للمنطقة،كتجمع سياسي حضاري،يشكل الحصانة الواقعية والضامنة للوجود المتنوع،بعنوان ( جارك القريب ولا أخوك البعيد)وقد تصرف المسيحييون في القرون الماضية وفق هذا الشعار ولم يتجاوبوا مع الحروب الصليبية القادمة من الغرب،وانخرطوا في المجتمع العربي فكان منهم الرواد المفكرين،وانخرطوا في خيار المقاومة ضد إسرائيل فكان منهم الشهداء الوطنيون،وإذا ما تشبثوا بهذا الخيار يمكنهم حماية الوجود المسيحي في الشرق،مما يبقي هذا الشرق مهدا للرسالات السماوية،ويحفظ التنوع ضمن إطار الكرامة والسيادة والحرية وحفظ التراث والعقيدة.